قم ودّع اليوم الأخير . 3/3
في كلّ عام يغوص العِلم أعمق فأعمق في طلب ما هو متناهٍ في الصغَر ، مثلما يرتفع أعلى فأعلى نحو ما هو متناهٍ في الكِبَر . فشمسنا الّتي ليست في تلك العوالم الهائلة سوى نجمة متواضعة هي أثقل وزناً من الأرض بثلاثمائة ألف مرّة ، وفي عالمنا الشمسي مائة ألف مليون من أمثال تلك النجمة ، وهذه العوالم الشمسيّة لا يزال الكثير منها في طور التكوين ، وذلك يزيد الشكّ في ما يعتقده بعضهم بوجود مسكونة ذات حدود في المكان والزمان . أمّا أن يكون ذلك النظام عاقلاً أو غير عاقل ، أو أن يكون مادّة أو روحاً ، فجدل لا طائل تحته . إذ أنّنا ، حتّى اليوم ، لا نستطيع التفريق بين المادة والروح .. فها هو العالم الّذي ذكرت ، وهو من أقحاح العلماء الماديّين يعترف بأنّ المتناهي في الصغر وفي الكبر لا يقف أيّ منهما عند حدّ . وعندئذٍ فالشيء الوحيد الثابت هو ذلك المجهول الّذي في استطاعته أن يصغر إلى ما لا نهاية وأن يكبر إلى ما لا نهاية ، وليس يغيّر في طبيعته شيئاً أن ندعوه مادّة أو أن ندعوه روحاً . أمّا الذّين أدركوا النظام فسايروه عن فهم وعن رضىً فهم القلّة المغبوطة . أولئك هم الّذين انكشفت في نفوسهم صورة الواحد الأحد ، جليّة ، صافيّة ، باهرة . فباتوا لا يتقاذفهم مدّ وجزر ، ولا يتصارع فيهم خير وشرّ ، إنّهم يحيون في المطلَق وبالمطلق الّذي هو أبداً هو .
اليوم شعرت بأنّ نافذة جديدة على الحياة قد انفتحت في داخلي ، وأنّ الحياة التي أطلّ عليها من تلك النافذة حياة لا نهاية لما فيها من دهشة ونظام وجمال وكمال ، أيكون انفتاح النافذة إيذاناً بانغلاقها ؟ . أتكون الفاتحة في حياتي هي الخاتمة ؟ . وها هي الفلسفات التي درستها ودرّستها حتى اليوم تنهار جميعها أمام صوت يهتف بي في المنام ( قم ودّع اليوم الأخير ) .
#اليوم_الأخير
#ميخائيل_نعيمه